أنا يا سيدي امرأة تخطت العقد الثالث بأربع سنوات,
أنتظر الموت في أي لحظة.. كلما هاجمني الألم أترجاه,
فقط من أجل أبنائي, أدعوه أن يتمهل!
نشأت في أسرة فقيرة تعيش في أحد أحياء القاهرة, وسط أربع
بنات وولد وحيد.. كان والدي يعمل غفيرا بإحدي الشركات براتب
بسيط, تحمل وحده مشقة تربيتنا بعد موت أمي, وبرغم قلة
الحيلة وضيق العيش إلا أننا كنا سعداء.. بـ طبق فول بالزيت
وبجنيه عيش نأكل ونشبع ونحمد الله أقصي ما كنت أتمناه في
طفولتي وأحلم به هو أن أتعلم وأصبح ذات شأن.. وكنت حريصة
علي ذلك منذ مراحل دراستي الابتدائية, فتفوقت علي زميلاتي,
حتي إن أهاليهن كانوا يعايرونهن بي.. بنت الغفير.
سيدي.. هل وظيفة الغفير عار.. هل الفقر عيب أو سبة؟!
ولماذا ينظر إلينا الناس باحتقار واشمئزاز؟!
نعم أحببت دراستي لأقول للعالم كله إن الفقر ليس عيبا, لكن
كانت الحياة أشد قسوة من الناس, فخرجت من المدرسة لأني لم
أستطع دفع المصاريف, وما زلت أشعر بالحزن
وغصة في نفسي لفقدي هذا الحلم.
كبر والدي في السن, وأتعبه مرض السكري, فأحالوه إلي
المعاش, ووجدنا أنفسنا في مأزق, وقد أصبحنا علي وش زواج,
فعمل أخي في ورشة نجارة لدي رجل طيب يعرف ظروفنا,
ولأمانة أخي وشهامته كان يعطيه بلاحساب, وبدأت الحياة تبتسم
لنا بعد أن شعرنا بحب أخي وحرصه وخوفه علينا,
فكان كل ما يأتي به يضعه في يد والدي ونعيش منه..
ولا أخفيك سرا سيدي أننا كنا نحتاج أشياء كثيرة
مثل من هن في عمرنا, ولكننا لم نطلب شيئا.
كنا سعداء راضين بما قسمه الله لنا,
فالفقراء يا سيدي لا يعنيهم من الحياة إلا لقمة العيش وهدمة
تستر أجسادهم.. حتي هذه السعادة لم تدم, ففي صباح يوم ذهبت
أوقظ أخي ليلحق بعمله, فلم يرد.. تحسسته بيدي وداعبته في
وجهه كعادتي, فلم يرد, انقبض قلبي, فهرولت الي والدي..
صمت مخيف في أثناء كشف الطبيب.. ناس يملأون البيت..
أحاديث جانبية.. وصراخ.. مات أخي الوحيد بسكتة قلبية وعمره
22 عاما.. كانت الصدمة مفجعة.. مشهد لم يغب عن ذاكرتي
حتي الآن, كلما ذكرته بكيت, لماذا أخي وفي هذا التوقيت؟!
لم يتحمل أبي الصدمة فأصيب بغيبوبة سكري, خرج منها ببتر
ساقه اليمني, ليشقينا ألما وحزنا بنظراته الحزينة وإحساسه
بالعجز والانكسار.
سيدي.. ماذا تفعل خمس بنات وأب عاجز منذ وفاة ولده الوحيد,
لا تفارق لسانه كلمة لله الأمر من قبل ومن بعد وكأنه اعتزل
الحياة؟ ماذا نفعل وكل ما نملكه من الدنيا معاش لا يكفي شراء
الدواء لأبينا المريض, ما كان أمامنا إلا الخروج للبحث عن عمل
نقتات منه, فاشتغلت أختي الكبري بمحل ملابس, والحمد لله..
سارت الحياة.
مرت السنوات.. كل عام تتزوج واحدة من أخواتي حتي بقيت أنا
مع أبي, وما إن تقدم لي أول عريس حتي وافق أبي وزوجني
وأنا لم أكمل الـ16 عاما, وكان يتعجل زواجي بشكل غير عادي
, وعندما عاتبته علي استعجاله لزواجي قال خلاص يا بنتي عايز
أرتاح فسكت عن الكلام بعد أن رأيت في عينيه دمعة يغالبها..
لم يمر أسبوع علي زواجي حتي مات أبي, وكأنه كان ينتظر هذه
الساعة بالتحديد بعد أن اطمأن علينا.
كان أبي آخر سند لنا في الحياة, وبموته شعرنا باليتم والخوف
من الأيام, وبدأت حياتي مع زوجي وأنجبت منه ولدين وثلاث
بنات هم أملي وزرعتي, حرصت علي أن أربيهم وأعلمهم
وألا أحرمهم مما حرمت منه.. كبر أبنائي حتي وصل ولدي
الأكبر الي الصف الثاني الإعدادي والبنات في الابتدائي.. كلما
نظرت إليهم أشعر بالسعادة ويهون كل التعب.. كان زوجي يعمل
في النقاشة, وهي مهنة حسب الطلب وليست دائمة, فكنت أعمل
حسابا لأي ظرف, وأدير بيتي بحكمة, لكن زوجي كان مهملا في
عمله ويسهر الي أوقات متأخرة ويأتيني فاقد الوعي وليس في
جيبه مليم واحد!!
عاتبته بلطف وقلت له إن لدينا أطفالا نريد تربيتهم, ولكنه لم يكن
يهتم, رضيت بنصيبي وأخذت أولادي في حضني, بعد ان تركنا
زوجي شهورا, ولا أعرف أين ذهب, سألت أصدقاءه وكل من
يعرفه فلم يعرفوا عنه شيئا فخرجت أعمل في أي شئ, أمسح سلم
عمارة مقابل جنيه من كل شقة صباحا, وأعمل في مطابخ
المطاعم ليلا, ومر عام وأنا علي هذه الحال, ونسيت أني متزوجة
ونسيت زوجي كما نسينا وكان كل شاغلي هو كيف أربي
أولادي.. كنا نقضي يومنا حسب الظروف وكلما مر يوم بخير
حمدنا الله ولا ننتظر الغد.
عذرا سيدي.. فقد أطلت عليكم, فحكايتي قد تكون عبرة لمن
لا يقدرون ما في أيديهم من نعمة المال أو الصحة أو الأولاد
وأردت بها أن أضع بين أيديكم كل ما احبسه في صدري إن
استطاعت الكتابة وصفه لتتخيلوا قسوة ما عانيت منذ طفولتي
حتي لحظتي هذه التي لا أثق في أن تمر علي مثل خلق الله..
ولست خائفة من الموت بقدر خوفي علي أبنائي ولمن أتركهم.
ففي احدي الليالي صحوت علي صراخ ابنتي سارة وهي تتألم من
وجع في بطنها وبعد الكشف عليها, طلب الطبيب اجراء اشعة
لها, لم أعرف طعم النوم حتي ظهرت النتيجة, وكانت الصدمة
التي قلبت حياتي, فلقد أصيبت ابنتي سارة بفشل كلوي في
كليتيها ولابد من اجراء غسيل لها ثلاث مرات في الاسبوع, ظللت
الطم وجهي حتي وقعت أرضا, ماذا أفعل؟ وبدأت رحلة العلاج
فكنت ابيع في كل مرة أي شئ في البيت, حتي استكمل اوراق
علاجها علي نفقة الدولة أو في مستشفيات التأمين الصحي حيث
كانت سارة في الصف الثالث الابتدائي.
كل ما كنت اتمناه في كل ليلة اقضيها مع ابنتي سارة هو أن يطلع
النهار وهي علي قيد الحياة, لاحملها علي كتفي واذهب الي
مستشفي خيري وافق علي قبولها قبل ان استكمل اوراق علاجها
في التأمين الصحي.. وفي مرة من مرات الغسيل, ساءت حالتها
وأخبرني الطبيب أن الفشل قضي علي احدي كليتيها وقال لي انه
لابد من استئصالها ونقل كلية سليمة لها وإلا ستصاب بفشل
كامل في الاثنين.. وتموت.
كنت اسمع صوت الطبيب وكأني في كابوس فظيع أريد أن أصحو
منه.. حملت ابنتي وذهبت الي البيت.. وضعتها في فراشها
وخرجت أبكي.. من أين وكيف؟! فاذا بيد تربت علي كتفي
وصوت اسمعه كالحلم يقول انا يا ماما هتبرع بكليتي لسارة اختي
احتضنته واشتد بكائي.. ولدي الاكبر اصبح رجلا وهو لم يكمل
عامه الثاني عشر, وبعد ليلة كئيبة عشتها ذهبت بابنتي الي
المستشفي وقلت للطبيب وجدت المتبرع ففرح وقال هاتيه ناخد
منه عينة دم ونجري له بعض الفحوصات فمددت له ذراعي.
نعم سيدي, نقلت كليتي لابنتي ولو طلبوا حياتي لأحد ابنائي
لقدمتها وانا سعيدة ونجحت العملية وبدأت حالة سارة تستقر,
وانتظمنا في اجراء الغسيل للكلية الاخري ولانه لا مورد رزق لهم
ـ بعد الله سبحانه وتعالي ـ إلا أنا فقد خرجت لعملي الشاق قبل أن
يلتئم جرحي ولم اخبر ابني الاكبر بما حدث وكان كلما سألني
اقول ان حالتها تحسنت, خوفي علي سارة وانشغالي بمرضها
انساني طفلي محمد الذي لم يكمل عامه الثالث حتي وجدته يشكو
من آلام في بطنه فقلت; ألم بسيط وسيزول لكن تكرر الألم
فكشفت عليه!
أصيب محمد بفشل كلوي نعم سيدي.. أصبح اثنان من ابنائي
مصابين بفشل كلوي يحتاج كل منهما الي رعاية مستمرة, ما
حدث لي قد لا يصدقه عقل, لكن هي الحقيقة المؤلمة التي عاينتها
ومازلت مع ابنائي والمرض وقلة الحيلة والرزق, وانا اقابل
المصائب وحدي دون سند إلا الله ـ سبحانه.. كان المستشفي
الخيري الذي يعالج محمد وسارة رحيما بنا, فاستقبل ابني بعد ان
قابلت مدير المستشفي وحكيت له قصتي فوجدته انسانا طيبا
خيرا قال بابتسام رقيق ماتشليش هم.. ربك كريم لكن كثرة
الحالات التي يستقبلها كل يوم كانت تستنزف الاجهزة
والمستلزمات الطبية, ففي بعض الاحيان لم أكن اجد جهازا خاليا
وأحيانا اخري لا نجد أدوات تجهيز الغسيل فكنت اشتريها, ويعلم
الله وحده كيف كنت أدبر ثمنها.
سيدي سيظن قراء بريدكم انني بعثت رسالتي هذه لينظر لي أهل
الخير بمساعدة مادية أو علاج لـ سارة ومحمد لكني بكل ثقة
وصدق ويقين فيما أقول.. كل ما اتمناه ان ينظر الناس الي هذا
المستشفي الخيري مستشفي سوزان مبارك التخصصي للاطفال
بالمهندسين والي الاطفال المرضي الموجودين فيه, فجميعهم من
أبناء الفقراء ويعالجون بالمجان وفي بعض الاحيان لا تتوافر لهم
الامكانات.
احمدوا الله علي نعمة الصحة ورزقه مهما يكن قليلا, فمال الدنيا
كله لا يساوي لحظة ألم ووجع نراها في عين طفل مريض..
أي طفل!! أريد ألا تري أي أم ما رأيته, وما دام هذا المستشفي
بخير فسوف تكون سارة ومحمد في أمان فانا اتمسك بالحياة فقط
لاجلهما بعد ان تدهورت صحتي بعد نقل كليتي لابنتي, وكثيرا ما
أشعر بآلام تهاجمني من حين لآخر, أخشي أن تؤدي لموتي قبل
أن أصل بابنائي لبر الامان.. وساواصل مشواري حتي آخر نفس
في صدري.. والله المعين.
المصدر بريد الجمعه جريدة الاهرام
(3 رمضان / 13 أغسطس 2010 )
هذه قصة حقيقة
من آآآآآآآلاف القصص
يالها من ابتلاءاااااات
نسأل الله لها الصبر
وأن يكن كل هذا بميزاان حسناتها
حقيقة لم اتمالك دموعى
اثناء قرائتى للمقال
مانطق به لسانى
الحمد لله الذى عافانى مما إبتلاك به
وفضلى على كثير ممن خلق تفضيلا
نمااذج عفيفه من اهل مصر الشرفاء
هم بحق من يحتاجون مد يد العون لهم
لعلها دعوه ونحن فى شهر الرحماااات
بالوقوف بجااانب امثاااااال هؤلاء
نحمد الله اننا جميعا احسن حالا منهم
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعماااال