ما هو مفهوم الأخلاق الإسلامية؟
والجواب:
1) أن تعريف الأخلاق في الإسلام -فيما يراه المرحوم أ.د. محمد ضياء الدين الكردي أستاذ ورئيس قسم العقيدة الإسلامية والفلسفة بالأزهر الشريف- لا بد أن يصدر عن مقوماته الذاتية المبنية على مصادره الأصيلة، فالإسلام هو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبَيَّنه، مما أنزله الله عليه من الأوامر والنواهي، ومن هنا يجب أن يؤخذ تعريف الخلق الإسلامي ليكون مُتفقًا مع أسسه التي يقوم عليها ومع طبيعته، وفى ضوء هذا يـمكن تعريفه بأنه: ((امتثال الأمر واجتناب النهي اللذين أتى بـهما رسول الله صلى الله عليه وسلم))، تلك هي حقيقة الخلق الإسلامي. وقد عرَّفه الغزالي بأنه: ((هيئة راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكرٍ وروية، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعًا سُـمِّيت تلك الهيئة خُلقًا حسنًا، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سُـمِّيت الهيئة التي هي المصدر خُلقًا سيئًا)).
2) بينما يقدم بعض فلاسفة الإسلام تعريفات للأخلاق لا تصلح كتعريف للخلق الإسلامي، فمن ذلك تعريف الفارابي للأخلاق في كتابه تحصيل السعادة بأنـها: ((أداء العمل موجهًا بالقوة الفكرية على الوجه الأكمل))، وإلى هذا النحو ذهب ابن مسكويه في تعريفه.
3) ومن جهة أخرى فإن مفهوم الخلق الإسلامي يرتبط بـمنشأ الخير والشر في الإنسان، فمنشأ الخير الروح {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[الإسراء:85]، فالخير منها إذ هي لطيفة ربانية تتجه بذاتـها إلى الخير إلا إن سيطر على الإنسان منشأ الشر الذي يتمثل في النفس {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف:53]، فالنفس هي منشأ الشر لتمركز القوى الشهوانية والغضبية فيها، ومن عجيب أمرها أنـها سر الرقي، ولولاها لما كانت مجاهدة، ولما كان ارتقاء، فالروح مجردة نقية طاهرة واصلة في الرقي إلى الدرجة التي لا نـهاية لها، فكانت النفس بـمثابة الثقل الذي يقربـها من موضع خلافتها لتأخذ مكانـها الطبيعي على الأرض، ولتتفاوت الأرواح وتسمو درجات فوق درجات بمقدار ما تحصله من كبح جماح النفس الأمَّارة، لتحولها إلى نفس لوَّامة، وتنقلها بعد ذلك إلى النفس الـمطمئنة ثم إلى ما شاء الله لها أن ترقاه من الدرجات.
4) وبـهذا الصراع الدائم بين الروح التي هي منشأ الخير، والنفس التي هي منشأ الشر، يـمكننا أن نقف على مفهوم الخلق الإسلامي-آخذين في مفهومه اعتبار التربية- بأنـها حالة تحاول فيها الروح جعل أفعال النفس صادرة من مشكاة النبوة مع الثقة بـها والاطمئنان إليها. وإن أخذنا مفهومه بـمعنى ما بعد التربية والسلوك، فيكون مفهومه هيئة للنفس تصدر بـها أفعالها مقتبسة من مشكاة النبوة بسهولة ويسر وثقة واطمئنان بعد أن صقلتها الروح ونقلتها بالتربية من اللوَّامة إلى الـمطمئنة.
5) ولا بد ونحن نتكلم عن مفهوم الأخلاق الإسلامية أن نلحظ المعنى اللغوي لكلمة الخلق والذي ورد في اللغة العربية -كما يقول الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية بدار العلوم سابقًا- بـمعان متعددة منها: الدين والمروءة والطبع والسجية والشيمة والعادة، فيقال عن الرجل: إنه على خلق، أي على دين، وممن يجعل الخلق بـهذا المعنى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس حيث فسَّر بذلك قوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ}[الشعراء:137]، فخلق الأولين يعنى دينهم الذي كانوا عليه، ومذهبهم الذي جرى عليه أمرهم. وقد فسَّر ابن عباس أيضًا قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم :4] بـهذا المعنى أي على دين عظيم من الأديان. وفي هذا ما يؤكد على العلاقة الوثيقة بين الدين والأخلاق، فالدين هو الـمعين الواسع الذي تستمد منه الأخلاق فضائلها وقيمها الرفيعة، إلا أن دائرة الدين أوسع مجالا لأنه يشتمل على عناصر أخرى بالإضافة إلى الأخلاق كالعقائد والأحكام والنظم، التي يجعلها الإسلام في إطار منظومة واحدة يظلها بقيمه العليا.
6) أما معنى الطبع والسجية فيقال للرجل: إنه لكريم الطبيعة والخليقة، وهو خليق لكذا، أي خلق له وطبع عليه. ولهذا لاحظ اللغويون ما بين كلمة الخَلْق وبين كلمة الخُلُق من علاقة ترجع إلى أصل لغوي واحد، فالخَلْق يتناول الجانب الظاهر من الإنسان، والخُلُق يتناول الجانب الباطني منه، وكلا الجانبين يـمكن وصفه بأوصاف حسنة أو قبيحة، حميدة أو ذميمة، وعلى الرغم من أهمية الجانبين الظاهر والباطن من الإنسان، فإن الجانب المعنوي هو الجانب الأكثر أهمية، لأنه هو الجانب الذي يتصل بإرادته واختياره، وهو أساس تكريـمه، وسر تـميزه، وهو الذي ينبغي أن يهيمن على الجانب الظاهري ويعلو عليه.
المصدر: 1- أ.د. محمد ضياء الدين الكردي، الأخلاق الإسلامية والصوفية، القاهرة: مط السعادة، 1409 هـ / 1989م، (ص 18 - 21).
2- أ.د. عبد الحميد مدكور، دراسات فى علم الأخلاق، القاهرة: دار الهاني، 1426 هـ/ 2005م، (ص 9- 1